في عالم يسعى
فيه معظم الناس إلى زيادة رواتبهم وتسلق السلم الوظيفي، يفكر الأثرياء بطريقة
مختلفة تمامًا. فهم لا يطاردون المال، بل يصنعون منه أداة تعمل لصالحهم وتُدر
عليهم الدخل حتى في غيابهم. هذه الفكرة البسيطة تمثّل حجر الأساس في عقلية الثراء،
وهي ما يُميّز بين من يعيش حياته رهينة الفواتير، ومن يعيشها بحرية مالية.
عندما كنت طفلًا: البداية من جرح بسيط
عندما كنت في
التاسعة من عمري، واجهت موقفًا عاديًا في الظاهر، لكنه ترك أثرًا عميقًا وغيّر
طريقة نظرتي للحياة. أحد زملائي في المدرسة قال لي بصراحة: "أنتم فقراء، لا
يمكنكم الانضمام إلينا في عطلة نهاية الأسبوع على الشاطئ". شعرت بالإهانة، لكن أكثر من ذلك، شعرت بالرغبة في أن أتغير. مثل هذه المواقف تُظهر كيف تلعب التربية دورًا حاسمًا في تشكيل شخصية الطفل والمراهق، كما يوضحه مقال كيف تساهم التربية في تطوير شخصية المراهق.
ذهبت إلى والدي
وسألته: "كيف أصبح غنيًا؟". ابتسم وقال: "إذا أردت أن تصبح غنيًا،
تعلّم كيف تصنع المال". لم يكن جوابه هو ما توقّعته، لكنه فتح بابًا جديدًا
للتفكير.
المدرسة لا تعلّمنا عن المال
لمفارقة أن المدارس، رغم كل المواد التي تدرّسها، لا تعلّم الأطفال شيئًا عن المال، وهذا ما يوضحه بعمق مقال كيف يساهم التعليم المالي في بناء الثروة: مقارنة بين الأب الغني والأب الفقير.. لا أحد
يخبرك كيف تدير دخلك، كيف تستثمر، أو كيف تميّز بين الأصول والالتزامات. لهذا،
يتخرج الآلاف كل عام، وهم مستعدون لأن يكونوا موظفين، لا أحرارًا ماليًا.
حسب مجلة Forbes،
يُعد الوعي المالي من المهارات الأساسية التي تتجاهلها الأنظمة التعليمية في معظم
دول العالم، رغم أن له تأثيرًا مباشرًا على استقرار الأفراد وجودة حياتهم اليومية.
ولا يقتصر
النقص على المدارس فقط، بل حتى كثير من الجامعات تركز على التخصصات الأكاديمية ولا
تمنح الطلاب الأدوات العملية لفهم المال. لهذا لا يُفاجئنا أن نرى كثيرًا من
الخريجين يحملون شهادات مرموقة، لكنهم مثقلون بالديون ويجهلون أبسط قواعد إدارة
أول راتب يتقاضونه.
أول درس عملي:
العمل من دون مقابل!
عندما وافق
والد صديقي مايك على تعليمي، قال لي: "سأعلّمك، لكن بشرط أن تعمل دون
أجر". كنت مصدومًا. لكنني قبلت. كنت أعمل في متجر صغير 3 ساعات كل سبت، دون
مقابل مادي.
ما تعلمته من
هذا الدرس لا يُقدّر بثمن. لقد تعلّمت أن المال ليس الغاية. العمل من أجل المال
يضعك في حلقة مفرغة: تعمل أكثر لتكسب أكثر، فتنفق أكثر، ثم تعود لتعمل من جديد.
هذا الدرس غير
مفهومي الكامل حول العمل. لم يعد السؤال: كم سأربح؟ بل أصبح: ما الذي سأتعلمه؟
وكيف أستخدم وقتي لبناء شيء يخدمني لاحقًا؟
فهم الفرق بين الأصول والالتزامات
من أبرز الدروس
التي غيّرت فهمي للمال كان إدراكي للفارق الجوهري بين الأصل والالتزام:
- الأصل: شيء
يُدخِل لك مالًا (مثل العقارات، الأسهم، المشاريع).
- الالتزام: شيء
يُخرِج منك المال (مثل سيارة جديدة، هاتف غالي، بيت لا يدر دخلًا).
معظم الناس
يشترون التزامات ظنًا أنها أصول، فيزداد ضغطهم المالي. أما الأثرياء، فيركّزون
أولًا على بناء الأصول التي تولّد دخلًا، وبعدها ينفقون من أرباحها على ما يريدون،
لا من جيوبهم مباشرة.
والمشكلة أن
كثيرًا من الناس لا يفرّقون بين الرفاهية المؤقتة والثراء الحقيقي. يمكن لأي شخص
أن يشتري سيارة فاخرة عبر تمويل طويل الأمد، لكن هل هذا يُعد ثراء؟ طبعًا لا.
لماذا الخوف يمنع الناس من الثراء؟
المال مرتبط
بمشاعر قوية، أهمها: الخوف. الخوف من الفقر، من الفشل، من فقدان
الوظيفة. هذا الخوف يدفع الناس للقبول بوظائف لا يحبونها، أو للتوقف عن المحاولة
بعد أول تجربة فاشلة.
لكن كما تُظهر Harvard Business Review،
فإن الخوف المفرط يُعطّل التفكير المنطقي ويُبقيك عالقًا في منطقة الراحة.
وهناك نوع آخر
من الخوف أكثر خطورة: الخوف من النجاح. نعم، كثيرون يخافون مما سيحدث إن نجحوا. قد
تكون هي الخطوة الأولى نحو حياة أفضل. هذا الخوف من التغيير، وإن بدا منطقيًا
أحيانًا، هو ما يحرم الكثير من الناس من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
ما الذي يفعله الأغنياء؟
- لا
يركضون خلف المال، بل خلف الفرص.
- لا
يعملون طوال الوقت، بل يبنون أنظمة تعمل لأجلهم.
- لا
ينفقون على ما يُظهر الغنى، بل يستثمرون في ما يُنتِج الغنى.
- لا
ينتظرون التعليم الرسمي، بل يتعلمون بأنفسهم باستمرار.
- لا
يعتمدون على مصدر دخل واحد، بل يحرصون على تنويع مصادرهم لبناء أمان مالي
واستقلال حقيقي.
كيف تبدأ؟ خطوات عملية
- راقب
أين يذهب وقتك ومالك. اكتب
كل شيء ليومين، وستتفاجأ من أين تتسرب مواردك.
- ابدأ
برفع مستوى وعيك المالي: خصص وقتًا لقراءة كتب موثوقة، استمع لمحتوى صوتي
يثري فهمك للمال، وراقب عن قرب من يصنعون نتائج حقيقية، لا من يقدّمون وعودًا
فقط.
- ابنِ
مصدر دخل جانبي صغير: بيع منتج
رقمي، خدمة بسيطة، قناة يوتيوب، إلخ.
- تعلم مهارة سوقية قابلة للبيع، وابدأ من هذا الدليل العملي لتعلم أي مهارة بسرعة وبدون خبرة، خاصة إذا كنت تبدأ من الصفر.
- كوّن شبكة علاقات. المال لا يأتي فقط من الأفكار، بل من الناس الذين تعرفهم.
- تابع تجارب الآخرين، ودوّن دروسهم. ويمكنك البدء ببناء عادات صغيرة فعّالة تُحدث تغييرًا حقيقيًا، كما يشرح مقال العادات الذرية: كيف تغيّر التغييرات الصغيرة مجرى حياتك؟
خلاصة عقلية الثراء
الثراء لا يبدأ
بالمال، بل بالعقلية التي تديره وتعرف كيف توظفه بذكاء. إنهم لا يعملون من أجل
المال، لأنهم يعرفون أن الوقت هو أغلى ما يملكون. فبدلًا من استبدال وقتهم مقابل
المال، يجعلون المال يعمل بدلًا عنهم.
"الفقير
يسأل: كم سأكسب؟، والغني يسأل: ماذا سأتعلم؟"
ابدأ اليوم
بتغيير طريقة تفكيرك. ليس عليك أن تكون غنيًا لتبدأ، لكن عليك أن تبدأ لتصبح غنيًا.
مصادر خارجية:
- Forbes – Why Financial Literacy
Matters
- Investopedia – What is an Asset?
- Harvard Business Review – How Fear
Hurts Entrepreneurs
- NerdWallet – Passive Income Ideas